رحماء بينهم وهم فقط إخوة دين . فهي الشدة لله والرحمة لله .
وهي الحمية للعقيدة , والسماحة للعقيدة .
فليس لهم في أنفسهم شيء ,ولا لأنفسهم فيهم شيء .
وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم , كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها .
يشتدون على أعدائهم فيها , ويلينون لإخوتهم فيها .
وقد تجردوا من الأنانية ومن الهوى , ومن الانفعال لغير الله , والوشيجة التي تربطهم بالله .
وإرادة التكريم واضحة وهو يختار من هيئاتهم وحالاتهم , هيئة الركوع والسجود وحالة العبادة: (تراهم ركعا سجدا). . والتعبير يوحي كأنما هذه هيئتهم الدائمة التي يراها الرائي حيثما رآهم . ذلك أن هيئة الركوع والسجود تمثل حالة العبادة , وهي الحالة الأصيلة لهم في حقيقة نفوسهم ;
فعبر عنها تعبيرا يثبتها كذلك في زمانهم ,
حتى لكأنهم يقضون زمانهم كله ركعا سجدا .
واللقطة الثالثة مثلها . ولكنها لقطة لبواطن نفوسهم وأعماق سرائرهم:
(يبتغون فضلا من الله ورضوانا). .
فهذه هي صورة مشاعرهم الدائمة الثابتة .
كل ما يشغل بالهم , وكل ما تتطلع إليه أشواقهم , هو فضل الله ورضوانه . ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به .
واللقطة الرابعة تثبت أثر العبادة الظاهرة والتطلع المضمر في ملامحهم , ونضحها على سماتهم: (سيماهم في وجوههم من أثر السجود). .
سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية , ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللطيف .
وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله: (من أثر السجود). .
فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة .
واختار لفظ السجود لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله في أكمل صورها .
فهو أثر هذا الخشوع . أثره في ملامح الوجه , حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة .
ويحل مكانها التواضع النبيل , والشفافية الصافية , والوضاءة الهادئة , والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلا .
وهذه الصورة الوضيئة التي تمثلها هذه اللقطات ليست مستحدثة .
إنما هي ثابتة لهم في لوحة القدر ; ومن ثم فهي قديمة جاء ذكرها في التوراة: (ذلك مثلهم في التوراة). .
وصفتهم التي عرفهم الله بها في كتاب موسى , وبشر الأرض بها قبل أن يجيئوا إليها .
(ومثلهم في الإنجيل). .
وصفتهم في بشارته بمحمد ومن معه , أنهم (كزرع أخرج شطأه). . فهو زرع نام قوي , يخرج فرخه من قوته وخصوبته . ولكن هذا الفرخ لا يضعف العود بل يشده .(فآزره). أو أن العود آزر فرخه فشده .(فاستغلظ) الزرع وضخمت ساقه وامتلأت . (فاستوى على سوقه)لا معوجا ومنحنيا . ولكن مستقيما قويا سويا . .
هذه صورته في ذاته . فأما وقعه في نفوس أهل الخبرة في الزرع , العارفين بالنامي منه والذابل . المثمر منه والبائر . فهو وقع البهجة والإعجاب: (يعجب الزراع).
وفي قراءة يعجب(الزارع). .
وهو رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] صاحب هذا الزرع النامي القوي المخصب البهيج . . وأما وقعه في نفوس الكفار فعلى العكس . فهو وقع الغيظ والكمد: (ليغيظ بهم الكفار). . وتعمد إغاظة الكفار يوحي بأن هذه الزرعة هي زرعة الله .
أو زرعة رسوله , وأنهم ستار للقدرة وأداة لإغاظة أعداء الله !
وهذا المثل كذلك ليس مستحدثا , فهو ثابت في صفحة القدر . ومن ثم ورد ذكره قبل أن يجيء محمد ومن معه إلى هذه الأرض . ثابت في الإنجيل في بشارته بمحمد ومن معه حين يجيئون .
وهكذا يثبت الله في كتابه الخالد صفة هذه الجماعة المختارة . . صحابة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . .
فتثبت في صلب الوجود كله , وتتجاوب بها أرجاؤه , وهو يتسمع إليها من بارىء الوجود . وتبقى نموذجا للأجيال , تحاول أن تحققها , لتحقق معنى الإيمان في أعلى الدرجات .
وفوق هذا التكريم كله , وعد الله بالمغفرة والأجر العظيم: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما). . وهو وعد يجيء في هذه الصيغة العامة بعد ما تقدم من صفتهم , التي تجعلهم أول الداخلين في هذه الصيغة العامة .
مغفرة وأجر عظيم . . وذلك التكريم وحده حسبهم . وذلك الرضى وحده أجر عظيم .
ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود ,
والعطاء الإلهي عطاء غير مجذوذ .
ومرة أخرى أحاول من وراء أربعة عشر قرنا أن أستشرف وجوه هؤلاء الرجال السعداء وقلوبهم .
وهم يتلقون هذا الفيض الإلهي من الرضى والتكريم والوعد العظيم . وهم يرون أنفسهم هكذا في اعتبار الله , وفي ميزان الله , وفي كتاب الله .
وأنظر إليهم وهم عائدون من الحديبية , وقد نزلت هذه السورة , وقد قرئت عليهم . وهم يعيشون فيها بأرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وسماتهم . وينظر بعضهم في وجوه بعض فيرى أثر النعمة التي يحسها هو في كيانه .
وأحاول أن أعيش معهم لحظات في هذا المهرجان العلوي الذي عاشوا فيه . .
ولكن أنى لبشر لم يحضر هذا المهرجان أن يتذوقه . إلا من بعيد ؟!
اللهم إلا من يكرمه الله إكرامهم: فيقرب له البعيد ؟!
فاللهم إنك تعلم أنني أتطلع لهذا الزاد الفريد !!!
انتهى من الظلال.
رحمك الله يا صاحب الظلال رحمة واسعة،
(إن أفكارنا وكلماتنا تظل جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت بين الأحياء) صاحب الظلال.
رد مع اقتباس
18 07 2009, 07:36 PM #2 قلب مسلم
عضو
تاريخ التسجيل
Jun 2008
المشاركات
1,025
كل ما يشغل بالهم , وكل ما تتطلع إليه أشواقهم , هو فضل الله ورضوانه .ولا شيء وراء الفضل والرضوان يتطلعون إليه ويشتغلون به .
رد مع اقتباس
20 07 2009, 06:34 PM #3 قلب مسلم
عضو
تاريخ التسجيل
Jun 2008
المشاركات
1,025
ومرة أخرى أحاول من وراء أربعة عشر قرنا أن أستشرف وجوه هؤلاء الرجال السعداء وقلوبهم .
وهم يتلقون هذا الفيض الإلهي من الرضى والتكريم والوعد العظيم . وهم يرون أنفسهم هكذا في اعتبار الله , وفي ميزان الله , وفي كتاب الله .
وأنظر إليهم وهم عائدون من الحديبية , وقد نزلت هذه السورة , وقد قرئت عليهم . وهم يعيشون فيها بأرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وسماتهم . وينظر بعضهم في وجوه بعض فيرى أثر النعمة التي يحسها هو في كيانه .
وأحاول أن أعيش معهم لحظات في هذا المهرجان العلوي الذي عاشوا فيه . .
ولكن أنى لبشر لم يحضر هذا المهرجان أن يتذوقه . إلا من بعيد ؟!
اللهم إلا من يكرمه الله إكرامهم: فيقرب له البعيد ؟!
فاللهم إنك تعلم أنني أتطلع لهذا الزاد الفريد !!!
رد مع اقتباس
22 07 2009, 06:44 PM #4 قلب مسلم
عضو
تاريخ التسجيل
Jun 2008
المشاركات
1,025
رحماء بينهم وهم فقط إخوة دين . فهي الشدة لله والرحمة لله .
وهي الحمية للعقيدة , والسماحة للعقيدة .
فليس لهم في أنفسهم شيء ,ولا لأنفسهم فيهم شيء .
وهم يقيمون عواطفهم ومشاعرهم , كما يقيمون سلوكهم وروابطهم على أساس عقيدتهم وحدها .
يشتدون على أعدائهم فيها , ويلينون لإخوتهم فيها .
وقد تجردوا من الأنانية ومن الهوى , ومن الانفعال لغير الله , والوشيجة التي تربطهم بالله .
رد مع اقتباس
23 07 2009, 07:34 PM #5 قلب مسلم
عضو
تاريخ التسجيل
Jun 2008
المشاركات
1,025
وهكذا يثبت الله في كتابه الخالد صفة هذه الجماعة المختارة . . صحابة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] . .
فتثبت في صلب الوجود كله , وتتجاوب بها أرجاؤه , وهو يتسمع إليها من بارىء الوجود .
وتبقى نموذجا للأجيال , تحاول أن تحققها ,
لتحقق معنى الإيمان في أعلى الدرجات .
رد مع اقتباس